ما الذى يجعل لعبة كرة القدم تحظى بذلك الهيام الجنونى من كافة شعوب الأرض وبدرجة تجعل هذه الشعوب تنحى كل شئ جانبا لمتابعة مباريات كأس العالم بالإضافة إلى مباريات أنديتها المحلية ؟
لكل ظاهرة طبيعية أو إنسانية أو اجتماعية أسبابها.. فما أسباب القوة السحرية للظاهرة الكروية ؟ وكيف استطاعت البشرية التى لم تجمع على شئ آخر فى تاريخها ( فهى لم تجمع على دين ولا مذهب سياسى ولا نظام إقتصادى ولا لغة ولا ثقافة ولا مبدأ ولا أى شئ آخر واحد وحيد )، أن تجمع على العشق الجنونى لهذه اللعبة الفريدة؟
إن لعبة كرة القدم مسألة بالغة الجدية ، وهى ليست " لعب عيال " كما يصور البعض ، ولذلك تستحق منا أن نقف عند هذا السؤال.. لان أى أمر يشغل الجماعة الإنسانية بهذا القدر ويأخذ منها كل هذا الوقت والاهتمام والاستثمار والمناقشة والحزن والفرح بل والهوس الجماعى يستحق أن نفهمه ونستوعب أسبابه وخصائصه لكى نفهم أنفسنا وطبيعتنا البشرية بشكل أعمق وأكمل.
إن السر الفلسفى الأساسى فى هيام البشر بلعبة كرة القدم أنها تحقق للبشرية حلمها الإنسانى القديم فى تحقيق العدل المطلق على الأرض . فالإنسان بكل عبقرية إنجازاته الحضارية حتى اليوم لم يستطع أن يحقق العدالة الكاملة المطلقة فى أى مجتمع بشرى. فرغم الأديان والمبادئ والقيم والقوانين المختلفة التى تطمح إلى تحقيق أقصى درجة من العدالة فى الأرض هناك قوى مناوئة كثيرة تمنع ذلك .. إذ يظل الغنى والقوى فى معظم الأحيان فوق العدل و خارج القانون . وتظل السرقة والبلطجة والعنف والجريمة والخديعة والمحسوبية والرشوة والجبن والخسة تعمل جميعها على النيل من سلطة العدالة وتمنع تحقيق حلمها النبيل على الأرض.
أما فى لعبة كرة القدم فيجلس عشرات الألوف من البشر فى مدرجات ملعب مكشوف - ويتابع الملايين الآخرين على شاشات التلفزيون ـ لعبة محكومة بمنظومة علنية من المبادئ والقواعد والقوانين متفق عليها من الجميع ، يخضع لها جميع اللاعبين بنفس الدرجة وبنفس القياس، وتطبق فيها القوانين بشكل مكشوف وبصرامة لا ترحم ، وينزل فيها الثواب والعقاب فى نفس لحظة الفعل وليس بعده بسنوات وسنوات ، ويكون فيه الفوز للأصلح فقط ، للكفاءة والتفوق والمهارة والاجتهاد فقط – فهنا لا تنفع محسوبية ولا تجدى واسطة، ولا تنفع القربى لأمير أو لوزير.. فاللاعب الماهر يفوز ولو كان ابن غفير فقير، واللاعب السيئ يخسر ولو كان ابن ملك .. فهنا تنتفى كل العوامل التى تفرق تفريقا ظالما بين البشر، وتسقط القوة والسلطان والنفوذ وتصبح بلا قيمة ولا جدوى، ونجد أمامنا حالة إنسانية فريدة باهرة تنتصر فيها الكفاءة وحدها ، ويتحقق العدل على الأرض بشكل مطلق نقى مجرد من الشوائب والمثالب.
بجانب تحقيق لعبة كرة القدم للعدل فى الأرض . نجدها توحد بين الإنسانية جمعاء فى إطار واحد من المثالية التى تلغى كافة العوامل التى تفرق بين البشر.. من أيدلوجيات ومعتقدات ومذاهب وأديان. ففى ساحة الملعب يقف – أو يجرى – الجميع على قدم المساواة المطلقة ، فالملعب لا يعرف مسلما ولا مسيحيا ولا يهوديا ولا بوذيا ولا ملحدا الجميع سواسية أمام العدالة الكروية المطلقة.
وكرة القدم لعبة لا تتدخل فيها الآلهة ، وقد يصلى اللاعب قبل المباراة عشرات المرات ، ويسجد مئات الركعات ويقدم الغالى والثمين من المحرقات والقرابين فتذهب كلها دون جدوى أمام الآلهة التى هى أحكم وأعظم من أن تتدخل لصالح هذا اللاعب أو خصمه لمجرد انه يحاول رشوتها بركعتين هنا أو قرابين هناك كأن يرسم اللاعب على وجهه علامة الصليب .. أو يسجد على ارض الملعب بعد إحراز هدف على طريقة أبو تريكة .. فليفعل الجميع ما يحلو لهم فلن يجديهم هذا شيئا. فنحن أمام نظام كروى صارم العدالة بالغ الكمال ورفيع المثال، لاتجدى معه محاولات الإنسان البائسة فى رشوة السماء بالصلوات أو الأدعية لتتدخل لصالحه فتعفيه من تبعات العمل الشاق والاجتهاد الدائب المتصل الذى هو وحده طريقه للنجاح والفوز.
وهكذا يأتى البشر أفرادا وفرقا وجماعات من دول إسلامية أو عبرية – فارسية أو عربية أو لاتينية ، ديمقراطية أو ديكتاتورية ، علمانية أو دينية ، رأسمالية أو اشتراكية أو إقطاعية ، فإذا بكل مذاهبهم وأيديولوجياتهم وعقائدهم تتساقط عنهم ليقفوا فى النهاية عرايا إلا من فانلاتهم الملونة على أرض ملعب لاتجدى فيه مذاهبهم شيئاً . فهنا يقف الإنسان إنسانا مجردا ، إنسانا مطلقا كاملا ، فريدا ، وحيدا . فتتحقق له إنسانيته المطلقة الممثلة فيما يقدمه هو كإنسان وكموهبة ، وليس كوعاء دينى أو مذهبى أو سياسى . حتى حين يموت الإنسان ، يموت بأرديته الدينية والاجتماعية والطبقية التى لا تتخلى عنه ولا تعتقه منها حتى فى موته .
فقط حين يلعب كرة القدم يتجرد من قبيلته ودرجات طبقته و مراسم ثقافته ويقف إنسانا حرا كاملا متساويا مع كل إنسان آخر مع كل لاعب وكل متفرج آخر فى طقس كروى مثير تتجلى فيه كما لا تتجلى فى أى طقس آخر إنسانيته المثالية الحرة الفريدة.
وبجانب تحقيق العدالة والمساواة على أرض الملعب الكروى وما يثيره هذا من أشواق الجمهور فى رؤية نفس هذا العدل المطلوب والمساواة الكاملة تتحقق فى حياتهم على الأرض ، تحقق لنا كرة القدم أحلام الإنسان الأخرى فى السلام والجمال.
ففى كأس العالم 2006 بألمانيا رأينا فريق ساحل العاج يحقق على أرض الملعب وحدة وطنية لا تعرفها بلاده التى تعانى من حرب أهلية رهيبة تسيطر فيها الحكومة على نصف البلاد ويسيطر المتمردون على النصف الآخر! ولكن أمام سطوة كرة القدم ومثاليتها الشاهقة وتبشيرها بروح إنسانية أجمل وأنبل، نجد ساحل العاج يتوحد بشطريه المتحاربين فى مساندة فريقه الدولى. فيكف عن القتال لفترة تسمح للفريق بالتجمع من أطراف البلاد للتدريب، وتسمح للجميع بالاستمتاع بمشاهدة الحدث الدولى الأرفع .. فيتحقق بذلك السلام المفتقد ، وتقدم كرة القدم النموذج الأجمل للصراع الحضارى السلمى والمنافسة الشريفة الحرة التى تخلو من أساليب العنف والبطش والحروب.
كما تقدم الكرة لعشاقها جرعة من الجمال البديع الذى يثيره الإبداع الفنى فى لعب كرة القدم، من خطط الدفاع والهجوم إلى القدرات والمهارات الفنية الفردية إلى اللعب الجماعى وعمل الفريق إلى الجماليات التشكيلية لحركة الفريقين إلى فنون المراوغة والترقيص والسبق والتسديد والصد والرد والتحكم فى الكرة وفى الجسد وضبط الإيقاع وتسخير القدرات البشرية للقوانين الطبيعية للسرعة وللوقت.
وهكذا نجد الجمال فى كل شئ على الأرض ، فى العلم وفى الفن وفى كرة القدم، فإذا كانت العلوم والفنون هى مجالات إشباع الرغبة فى الجمال لدى الخاصة والمتعلمين، فإن كرة القدم هى مجال إشباع التذوق إلى الجمال لدى عامة البشر أجمعين .
لقد استطاعت كرة القدم أن تحقق السلام والجمال على الأرض ، ففى منظومة الأخلاق الكروية لا توجد دار حرب ودار سلام ، ولا يوجد مؤمنون وكفار، ولا يوجد أنصار إسلام ولا أعداء الله ، ولا يوجد وطنيون وعملاء خونة ، ولا يستغل غوغائى الدين فى ترهيب البسطاء وترويع الأبرياء ، ولا يستغل غنى ماله ، ولا قوى نفوذه للحصول على ما ليس من حقه.
إن جنة النصر فى عالم كرة القدم لا يدخلها الذين ينتهجون نظام الفهلوة أو التقرب لمدرب أو رئيس نادى دون أن يبذل الجهد والعرق والجد والكفاح ، أو الذين يحاولون الهرب من أعباء التدريب الشاق وكم فى كرة القدم من دروس فى العطاء والتفانى والإخلاص.
إن لعبة كرة القدم مسألة بالغة الجدية ، وهى ليست " لعب عيال " كما يصور البعض ، ولذلك تستحق منا أن نقف عند هذا السؤال.. لان أى أمر يشغل الجماعة الإنسانية بهذا القدر ويأخذ منها كل هذا الوقت والاهتمام والاستثمار والمناقشة والحزن والفرح بل والهوس الجماعى يستحق أن نفهمه ونستوعب أسبابه وخصائصه لكى نفهم أنفسنا وطبيعتنا البشرية بشكل أعمق وأكمل.
إن السر الفلسفى الأساسى فى هيام البشر بلعبة كرة القدم أنها تحقق للبشرية حلمها الإنسانى القديم فى تحقيق العدل المطلق على الأرض . فالإنسان بكل عبقرية إنجازاته الحضارية حتى اليوم لم يستطع أن يحقق العدالة الكاملة المطلقة فى أى مجتمع بشرى. فرغم الأديان والمبادئ والقيم والقوانين المختلفة التى تطمح إلى تحقيق أقصى درجة من العدالة فى الأرض هناك قوى مناوئة كثيرة تمنع ذلك .. إذ يظل الغنى والقوى فى معظم الأحيان فوق العدل و خارج القانون . وتظل السرقة والبلطجة والعنف والجريمة والخديعة والمحسوبية والرشوة والجبن والخسة تعمل جميعها على النيل من سلطة العدالة وتمنع تحقيق حلمها النبيل على الأرض.
أما فى لعبة كرة القدم فيجلس عشرات الألوف من البشر فى مدرجات ملعب مكشوف - ويتابع الملايين الآخرين على شاشات التلفزيون ـ لعبة محكومة بمنظومة علنية من المبادئ والقواعد والقوانين متفق عليها من الجميع ، يخضع لها جميع اللاعبين بنفس الدرجة وبنفس القياس، وتطبق فيها القوانين بشكل مكشوف وبصرامة لا ترحم ، وينزل فيها الثواب والعقاب فى نفس لحظة الفعل وليس بعده بسنوات وسنوات ، ويكون فيه الفوز للأصلح فقط ، للكفاءة والتفوق والمهارة والاجتهاد فقط – فهنا لا تنفع محسوبية ولا تجدى واسطة، ولا تنفع القربى لأمير أو لوزير.. فاللاعب الماهر يفوز ولو كان ابن غفير فقير، واللاعب السيئ يخسر ولو كان ابن ملك .. فهنا تنتفى كل العوامل التى تفرق تفريقا ظالما بين البشر، وتسقط القوة والسلطان والنفوذ وتصبح بلا قيمة ولا جدوى، ونجد أمامنا حالة إنسانية فريدة باهرة تنتصر فيها الكفاءة وحدها ، ويتحقق العدل على الأرض بشكل مطلق نقى مجرد من الشوائب والمثالب.
بجانب تحقيق لعبة كرة القدم للعدل فى الأرض . نجدها توحد بين الإنسانية جمعاء فى إطار واحد من المثالية التى تلغى كافة العوامل التى تفرق بين البشر.. من أيدلوجيات ومعتقدات ومذاهب وأديان. ففى ساحة الملعب يقف – أو يجرى – الجميع على قدم المساواة المطلقة ، فالملعب لا يعرف مسلما ولا مسيحيا ولا يهوديا ولا بوذيا ولا ملحدا الجميع سواسية أمام العدالة الكروية المطلقة.
وكرة القدم لعبة لا تتدخل فيها الآلهة ، وقد يصلى اللاعب قبل المباراة عشرات المرات ، ويسجد مئات الركعات ويقدم الغالى والثمين من المحرقات والقرابين فتذهب كلها دون جدوى أمام الآلهة التى هى أحكم وأعظم من أن تتدخل لصالح هذا اللاعب أو خصمه لمجرد انه يحاول رشوتها بركعتين هنا أو قرابين هناك كأن يرسم اللاعب على وجهه علامة الصليب .. أو يسجد على ارض الملعب بعد إحراز هدف على طريقة أبو تريكة .. فليفعل الجميع ما يحلو لهم فلن يجديهم هذا شيئا. فنحن أمام نظام كروى صارم العدالة بالغ الكمال ورفيع المثال، لاتجدى معه محاولات الإنسان البائسة فى رشوة السماء بالصلوات أو الأدعية لتتدخل لصالحه فتعفيه من تبعات العمل الشاق والاجتهاد الدائب المتصل الذى هو وحده طريقه للنجاح والفوز.
وهكذا يأتى البشر أفرادا وفرقا وجماعات من دول إسلامية أو عبرية – فارسية أو عربية أو لاتينية ، ديمقراطية أو ديكتاتورية ، علمانية أو دينية ، رأسمالية أو اشتراكية أو إقطاعية ، فإذا بكل مذاهبهم وأيديولوجياتهم وعقائدهم تتساقط عنهم ليقفوا فى النهاية عرايا إلا من فانلاتهم الملونة على أرض ملعب لاتجدى فيه مذاهبهم شيئاً . فهنا يقف الإنسان إنسانا مجردا ، إنسانا مطلقا كاملا ، فريدا ، وحيدا . فتتحقق له إنسانيته المطلقة الممثلة فيما يقدمه هو كإنسان وكموهبة ، وليس كوعاء دينى أو مذهبى أو سياسى . حتى حين يموت الإنسان ، يموت بأرديته الدينية والاجتماعية والطبقية التى لا تتخلى عنه ولا تعتقه منها حتى فى موته .
فقط حين يلعب كرة القدم يتجرد من قبيلته ودرجات طبقته و مراسم ثقافته ويقف إنسانا حرا كاملا متساويا مع كل إنسان آخر مع كل لاعب وكل متفرج آخر فى طقس كروى مثير تتجلى فيه كما لا تتجلى فى أى طقس آخر إنسانيته المثالية الحرة الفريدة.
وبجانب تحقيق العدالة والمساواة على أرض الملعب الكروى وما يثيره هذا من أشواق الجمهور فى رؤية نفس هذا العدل المطلوب والمساواة الكاملة تتحقق فى حياتهم على الأرض ، تحقق لنا كرة القدم أحلام الإنسان الأخرى فى السلام والجمال.
ففى كأس العالم 2006 بألمانيا رأينا فريق ساحل العاج يحقق على أرض الملعب وحدة وطنية لا تعرفها بلاده التى تعانى من حرب أهلية رهيبة تسيطر فيها الحكومة على نصف البلاد ويسيطر المتمردون على النصف الآخر! ولكن أمام سطوة كرة القدم ومثاليتها الشاهقة وتبشيرها بروح إنسانية أجمل وأنبل، نجد ساحل العاج يتوحد بشطريه المتحاربين فى مساندة فريقه الدولى. فيكف عن القتال لفترة تسمح للفريق بالتجمع من أطراف البلاد للتدريب، وتسمح للجميع بالاستمتاع بمشاهدة الحدث الدولى الأرفع .. فيتحقق بذلك السلام المفتقد ، وتقدم كرة القدم النموذج الأجمل للصراع الحضارى السلمى والمنافسة الشريفة الحرة التى تخلو من أساليب العنف والبطش والحروب.
كما تقدم الكرة لعشاقها جرعة من الجمال البديع الذى يثيره الإبداع الفنى فى لعب كرة القدم، من خطط الدفاع والهجوم إلى القدرات والمهارات الفنية الفردية إلى اللعب الجماعى وعمل الفريق إلى الجماليات التشكيلية لحركة الفريقين إلى فنون المراوغة والترقيص والسبق والتسديد والصد والرد والتحكم فى الكرة وفى الجسد وضبط الإيقاع وتسخير القدرات البشرية للقوانين الطبيعية للسرعة وللوقت.
وهكذا نجد الجمال فى كل شئ على الأرض ، فى العلم وفى الفن وفى كرة القدم، فإذا كانت العلوم والفنون هى مجالات إشباع الرغبة فى الجمال لدى الخاصة والمتعلمين، فإن كرة القدم هى مجال إشباع التذوق إلى الجمال لدى عامة البشر أجمعين .
لقد استطاعت كرة القدم أن تحقق السلام والجمال على الأرض ، ففى منظومة الأخلاق الكروية لا توجد دار حرب ودار سلام ، ولا يوجد مؤمنون وكفار، ولا يوجد أنصار إسلام ولا أعداء الله ، ولا يوجد وطنيون وعملاء خونة ، ولا يستغل غوغائى الدين فى ترهيب البسطاء وترويع الأبرياء ، ولا يستغل غنى ماله ، ولا قوى نفوذه للحصول على ما ليس من حقه.
إن جنة النصر فى عالم كرة القدم لا يدخلها الذين ينتهجون نظام الفهلوة أو التقرب لمدرب أو رئيس نادى دون أن يبذل الجهد والعرق والجد والكفاح ، أو الذين يحاولون الهرب من أعباء التدريب الشاق وكم فى كرة القدم من دروس فى العطاء والتفانى والإخلاص.
0 التعليقات:
إرسال تعليق